الآصدقاء المتعاونون

من طرف **bosy cat** الإثنين 05 مايو 2008, 8:42 pm

لم تكن الثلوج المتساقطة , والرياح الشديدة , والمطر الغزير محببة عند سكان الغابة ، فالحياة أمست قاسية و لا تحتمل .. كل واحد فكر مع نفسه لحل مشكلته .. فالأرانب المتعاونة حفرت إنفاقا عميقة تحت الأرض .. والأسماك غاصت إلى الأعماق حيث الدفء والطعام .. والطيور هاجرت بعيداً حيث الشمس والهواء المعتدل .. ولم يبق منها غير ثلاثة منفردة لم تهتد إلى وسيلة تنقذها من قسوة الشتاء وعنفه .

اجتمعت الطيور تحت شجرة كبيرة .. وكل واحد منها يفكر مع نفسه في بناء بيت يؤويه لوحده ، وبدون تفاهم واتفاق , طار كل طير في اتجاه .. وبعد فترة عادت الطيور إلى مكانها السابق , حيث لا يوجد هناك مكان تأوي إليه وعلامات الفشل بادية عليها .. تكلم العصفور في وضع يرثى له قائلا :

صنعت بيتا من الريش الملون ، وكان دافئاً وزاهياً ، ولكن تسرب الماء إليه هدم جدرانه فوق رأسي .. صمت العصفور بعد أن تنهد بحسرة كبيرة وهو يتذكر بيته وما حل به , ثم أعقبته الحمامة المرتجفة قائلة : جمعت الأعواد من هنا وهناك ، وعملت بها بيتا جميلا ، ولكن الهواء البارد تسرب إليه من خلال الثقوب .. ثم سكتت الحمامة ومنقارها لا يزال يصطك بقوة , ثم تكلمت البجعة وجسمها ملطخ بالطين قائلة : من طين النهر بنيت بيتا من أجمل البيوت .. ولكن جدرانه تساقطت عليّ ، ثم سكتت البجعة وتنهدت بألم على بيتها المتهدم .
بقي الجميع صامتين كأنهم عجزوا عن إيجاد حل لما هم فيه ، وفجأة لاح في الأفق ببغاء جميل وحط بالقرب منهم .. نظر الببغاء إليهم رغم تعبه وسفره الطويل ، فعرف أنهم يعيشون مشكلة كبيرة فملامح وجوههم تنطق بذلك ، سألهم الببغاء عن مشكلتهم ... فأخبروه بسرعة عن حالهم وعما هم فيه من جوع وبرد ومطر .
فكر الببغاء مع نفسه ثم قال : - هنالك حيث يوجد الإنسان يوجد بيوت لا تتهدم ... صامدة بوجه الريح والمطر في تلك البقعة الجميلة ... أكثر من يد تبني ... وأكثر من عقل يفكر ... والسعادة لا توصف والمحبة لا تنتهي ... وكل شيء هنالك جميل ورائع .
بهتت الطيور الثلاثة من حديث الببغاء وبعد فترة من الحوار عرفت انه حق , ولأول مرة اخذ الجميع يتحدثون بلغة واحدة ... وصاروا يعملون كخلية نحل بتآزر وتعاون ، فالبجعة تجلب الطين والحمامة تحضر الأعواد والأخشاب الصغيرة ، والعصفور يلملم الريش من كل مكان ، أما الببغاء فكان يكلم هذا ويساعد ذاك ... ويجود عليهم بما يملك من أفكار وخبر .
بعد فترة ارتفع في وسط الغابة بيت كأجمل ما يكون ، مبنيا بالطين ومسقفا بالأخشاب ومكسوا من الداخل بالريش ، وفي المساء كان الجميع يتسامرون بفرح ولهفة وانتصار . وفي آخر النهار أمست أحلام وردية تطوف في مخيلة النائمين ترسم لهم صوراً جميلة عن السعادة وعن الحياة الأفضل للجميع .