دروس الديمقراطية
مـنـتــدي قــريــة دمـلــــو Damallo :: كــــــــــــــــــــــــــــــلام جــــــــــــــــــــــــــرىء :: الصالون الثقافى
صفحة 1 من اصل 1
دروس الديمقراطية
جاءت استقالة الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف إثر مطالبات برلمانية جادة بمحاكمته ومساءلته لتفتح الباب نحو مزيد من الجدل حول دور الشعوب العربية والتكتلات البرلمانية في مساءلة حكامهم وعزلهم، وانتقي كثير من الكتاب في شهوة ونشوة مما حدث في باكستان عبارات تعبر عن هذه الحالة المزاجية التي تستشرف المستقبل علي غير أسس صحيحة واضحة، مثل فجر الديمقراطية يشرق علي العالم العربي، وآخر تنبأ بخطوة عربية مماثلة، وأن استقالة مشرف جبراً هي خيار الشعوب العربية.
والحقيقة أني شعرت بألم مضاعف علي هذا الدجل النخبوي الذي نعيشه في مصر ولا أغادر الحقيقة إذا عممته علي النخب العربية كلها، إلا طبعا من رحم ربي، والمسألة بالتأكيد نسبية، فأظن وليس كل الظن إثماً أننا في المنطقة العربية ورثنا الاستبداد كابرا عن كابر، حتي أصبح الاستبداد جزءاً لا يتجزأ من ثقافتنا ومن تكويننا الفكري ونسيجنا الأيدولوجي.
لا أري جديداً طرأ أو متغيراً جديداً يبعث علي التفاؤل أن معطيات تؤدي إلي حراك شعبي مصري أو عربي، فلم تكن هي الحالة الأولي التي يمكن أن تدفع في اتجاه الصحوة الشعبية العربية ومطالبتها بحقوقها الدستورية بل لا أتزيد إذا قلت حاجتها الإنسانية، لقد شاهدنا علي شاشات التلفاز في نهاية القرن العشرين وبالتحديد في شهر ديسمبر من العام ٨٩ انتفاضة الشعب الروماني الذي ثار وتجمع في الشوارع والميادين بعد أن عاني علي مدي ٢٤ عاما من استبداد وقهر نيكولاي تشاوتشيسكو الذي كان قد تولي الحكم عام ٦٥. والذي أصابه الذهول مما جري في اللحظات الأخيرة التي انحاز فيها الجيش إلي الشعب وثورته، وبعد محاكمة سريعة تم إعدام الطاغية وزوجته إيلينا.
كنا في تلك الآونة لم نزل نتابع الخبر عبر الصحف السيارة المطبوعة وأقصي أمانينا أن نستمع إلي راديو لندن بالطبع وإلي المحطات المتلفزة الأرضية نقتبس منها ما يمكن أن يلهم مسيرة الشعوب في طريق الإصلاح والديمقراطية.
لكن درس رومانيا علي وضوحه وتأثيراته العميقة في النفوس لم يحرك وجدان الشعوب العربية التي تعاني من الاستبداد والقهر وحكم الفرد، بعيدا عن المؤسسات وفقه الشوري، حتي جاء الدرس الأوكراني واضحا علي الهواء مباشرة إذ نقلت الفضائيات، التي غزت السماء، وقائع الثورة البرتقالية لحظة بلحظة ويوما وراء يوم، وشاهد المواطن العربي كيف يتجمع في العاصمة «كييف» بانتظام وبصورة يومية مائة ألف ومائتا ألف ومليون شخص علي مدي ثلاثة أسابيع، كانت ثورة بكل المقاييس، ثورة لها ميزات فقد كانت واحدة من أكثر الفعاليات جماهيرية، وأهم ما حقق لها صفة الثورية أنها أدت إلي تغيير السلطة دون أن تراق نقطة دم واحدة.
الثورة البرتقالية التي قادها فيكتور يوتشينكو لم تأت من الفراغ، بل حسبما ذهب لذلك كثير من المراقبين من خلال عمل منظم يفسّر للناس طبيعة ومغزي هذا العمل وإيصال الدعوة للنضال من أجل حقوقهم. خبت سريعا تلك المشاعر العربية التي تدفقت حيوية مع مشاهد تظاهر شعب في الشوارع والميادين بالعاصمة كييف، حتي عندما تكرر المشهد بطريقة عربية لها خصوصيتها في العاصمة اللبنانية بيروت حيث تجمعت المعارضة في وسط بيروت عدة أسابيع بل شهور دون أن تراق أيضا نقطة دم واحدة حتي تم إنجاز اتفاق الدوحة الشهير.
وبين تجمع المعارضة في الشوارع والميادين الرئيسية في كييف وبيروت كانت هناك تجارب أخري عربية صميمة لم تفلح في تغيير وتيرة العمل السياسي أو خطي الإصلاح بشكل جوهري واستراتيجي، ولعلي أسوق هنا درسين حتي لا نتوه في زخم الدروس والعبر، الأول حينما تقلد المشير عبد الرحمن سوار الذهب، وزير الدفاع السوداني وقائد جيشه، السلطة إثر انتفاضة شعبية ضد حكم جعفر النميري عام ٨٥ وحراك حزبي وشعبي، ووعد بنقل السلطة سلميا بعد أن ترأس مجلسا عسكريا انتقاليا، وبعد عام واحد لم تغره خلالها سطوة السلطة ولا إغراءاتها اعتزل العمل السياسي وسلم السلطة للحكومة المنتخبة،
أما النموذج الثاني فهو الجنرال اعلي ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري الذي وصل إلي السلطة إثر انقلاب عسكري سلمي في ٣ أغسطس ٢٠٠٥ أطاح بالرئيس معاوية ولد سيد أحمد طايع، ١٩٨٧، وكان من أقرب معاوني الرئيس السابق، وقد شكل العقيد أعلي ومجموعة من ١٨عقيدا ما يسمي بالمجلس العسكري للعدالة والديمقراطية وقام المجلس بتسليم السلطة للرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله يوم ١٩ أبريل ٢٠٠٧.
لماذا نحتاج إلي دروس وعبر، والخليفة العظيم أبوبكر الصديق يعطي المثل والقدوة في خطبة تسلمه الحكم قائلا «أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أخطأت فقوموني ولا تأخذكم في الله لومة لائم، ألا إن الضعيف فيكم هو القوي عندنا حتي نأخذ له بحقه والقوي فيكم ضعيف عندنا حتي نأخذ الحق منه طائعا أو كارها، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم».
المشكلة الحقيقية فينا نحن، في النخب أو الطليعة التي تزعم قيادتها المعارضة الشعبية.. .
منتصر الزيات
والحقيقة أني شعرت بألم مضاعف علي هذا الدجل النخبوي الذي نعيشه في مصر ولا أغادر الحقيقة إذا عممته علي النخب العربية كلها، إلا طبعا من رحم ربي، والمسألة بالتأكيد نسبية، فأظن وليس كل الظن إثماً أننا في المنطقة العربية ورثنا الاستبداد كابرا عن كابر، حتي أصبح الاستبداد جزءاً لا يتجزأ من ثقافتنا ومن تكويننا الفكري ونسيجنا الأيدولوجي.
لا أري جديداً طرأ أو متغيراً جديداً يبعث علي التفاؤل أن معطيات تؤدي إلي حراك شعبي مصري أو عربي، فلم تكن هي الحالة الأولي التي يمكن أن تدفع في اتجاه الصحوة الشعبية العربية ومطالبتها بحقوقها الدستورية بل لا أتزيد إذا قلت حاجتها الإنسانية، لقد شاهدنا علي شاشات التلفاز في نهاية القرن العشرين وبالتحديد في شهر ديسمبر من العام ٨٩ انتفاضة الشعب الروماني الذي ثار وتجمع في الشوارع والميادين بعد أن عاني علي مدي ٢٤ عاما من استبداد وقهر نيكولاي تشاوتشيسكو الذي كان قد تولي الحكم عام ٦٥. والذي أصابه الذهول مما جري في اللحظات الأخيرة التي انحاز فيها الجيش إلي الشعب وثورته، وبعد محاكمة سريعة تم إعدام الطاغية وزوجته إيلينا.
كنا في تلك الآونة لم نزل نتابع الخبر عبر الصحف السيارة المطبوعة وأقصي أمانينا أن نستمع إلي راديو لندن بالطبع وإلي المحطات المتلفزة الأرضية نقتبس منها ما يمكن أن يلهم مسيرة الشعوب في طريق الإصلاح والديمقراطية.
لكن درس رومانيا علي وضوحه وتأثيراته العميقة في النفوس لم يحرك وجدان الشعوب العربية التي تعاني من الاستبداد والقهر وحكم الفرد، بعيدا عن المؤسسات وفقه الشوري، حتي جاء الدرس الأوكراني واضحا علي الهواء مباشرة إذ نقلت الفضائيات، التي غزت السماء، وقائع الثورة البرتقالية لحظة بلحظة ويوما وراء يوم، وشاهد المواطن العربي كيف يتجمع في العاصمة «كييف» بانتظام وبصورة يومية مائة ألف ومائتا ألف ومليون شخص علي مدي ثلاثة أسابيع، كانت ثورة بكل المقاييس، ثورة لها ميزات فقد كانت واحدة من أكثر الفعاليات جماهيرية، وأهم ما حقق لها صفة الثورية أنها أدت إلي تغيير السلطة دون أن تراق نقطة دم واحدة.
الثورة البرتقالية التي قادها فيكتور يوتشينكو لم تأت من الفراغ، بل حسبما ذهب لذلك كثير من المراقبين من خلال عمل منظم يفسّر للناس طبيعة ومغزي هذا العمل وإيصال الدعوة للنضال من أجل حقوقهم. خبت سريعا تلك المشاعر العربية التي تدفقت حيوية مع مشاهد تظاهر شعب في الشوارع والميادين بالعاصمة كييف، حتي عندما تكرر المشهد بطريقة عربية لها خصوصيتها في العاصمة اللبنانية بيروت حيث تجمعت المعارضة في وسط بيروت عدة أسابيع بل شهور دون أن تراق أيضا نقطة دم واحدة حتي تم إنجاز اتفاق الدوحة الشهير.
وبين تجمع المعارضة في الشوارع والميادين الرئيسية في كييف وبيروت كانت هناك تجارب أخري عربية صميمة لم تفلح في تغيير وتيرة العمل السياسي أو خطي الإصلاح بشكل جوهري واستراتيجي، ولعلي أسوق هنا درسين حتي لا نتوه في زخم الدروس والعبر، الأول حينما تقلد المشير عبد الرحمن سوار الذهب، وزير الدفاع السوداني وقائد جيشه، السلطة إثر انتفاضة شعبية ضد حكم جعفر النميري عام ٨٥ وحراك حزبي وشعبي، ووعد بنقل السلطة سلميا بعد أن ترأس مجلسا عسكريا انتقاليا، وبعد عام واحد لم تغره خلالها سطوة السلطة ولا إغراءاتها اعتزل العمل السياسي وسلم السلطة للحكومة المنتخبة،
أما النموذج الثاني فهو الجنرال اعلي ولد محمد فال رئيس المجلس العسكري الذي وصل إلي السلطة إثر انقلاب عسكري سلمي في ٣ أغسطس ٢٠٠٥ أطاح بالرئيس معاوية ولد سيد أحمد طايع، ١٩٨٧، وكان من أقرب معاوني الرئيس السابق، وقد شكل العقيد أعلي ومجموعة من ١٨عقيدا ما يسمي بالمجلس العسكري للعدالة والديمقراطية وقام المجلس بتسليم السلطة للرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله يوم ١٩ أبريل ٢٠٠٧.
لماذا نحتاج إلي دروس وعبر، والخليفة العظيم أبوبكر الصديق يعطي المثل والقدوة في خطبة تسلمه الحكم قائلا «أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أخطأت فقوموني ولا تأخذكم في الله لومة لائم، ألا إن الضعيف فيكم هو القوي عندنا حتي نأخذ له بحقه والقوي فيكم ضعيف عندنا حتي نأخذ الحق منه طائعا أو كارها، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم».
المشكلة الحقيقية فينا نحن، في النخب أو الطليعة التي تزعم قيادتها المعارضة الشعبية.. .
منتصر الزيات
mar- عضـــــــــــــــو
- عدد الرسائل : 142
العمر : 41
تاريخ التسجيل : 26/07/2008
مـنـتــدي قــريــة دمـلــــو Damallo :: كــــــــــــــــــــــــــــــلام جــــــــــــــــــــــــــرىء :: الصالون الثقافى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى