الشاعر و الملك الجائر (ايليا ابو ماضى)
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الشاعر و الملك الجائر (ايليا ابو ماضى)
أمر السلطان بالشاعر يوما فأتاه |
في كساء حائل الصّبغة واه جانباه |
و حذاء أوشكت تفلت منه قدماه |
قال : صف جاهي ، ففي وصفك لي للشعر جاه |
إنّ لي القصر الذي لا تبلغ الطير ذراه |
و لي الروض الذي يعبق بالمسك ثراه |
و لي الجبش الذي ترشح بالموت ظباه |
و لي الغابات و الشمذ الرواسي و المياه |
و لي الناس ... و بؤس الناس منّي و الرفاه |
إنّ هذا الكون ملكي ، أنا في الكون إله ! |
2 |
ضحك الشاعر ممّا سمعته أذناه |
و تمنّى إنّ يداجي فعصته شفتاه |
قال: إنّي لا أرى كما أنت تراه |
إنّ ملكي قد طوى ملكك عنّي و محاه |
*** |
ألقصر ينبيء عن مهارة شاعر |
لبق ، و يخبر بعده عنّكا |
هو الألى يدرون كنه جماله |
فإذا مضوا فكأنّه دكّا |
ستزول أنت و لا يزول جلاله |
كالفلك تبقى ، إن خلت ، فلكا |
*** |
و الرّوض ؟ إنّ الروض صنعه شاعر |
سمح ، طروب ، رائق ، جزل |
وشّى حواشيه وزيّن أرضه |
بروائع الألوان و الظلّ |
لفراشة تحيا له ، و لنحلة |
تحيا به ، و لشاعر مثلي ! |
و لديمة تذري عليه دموعها |
كيما تقيه غوائل المحل |
و لبلبل غرد يساجل بلبلا |
غردا ، و للنسمات و الطلّ |
فإذا مضى زمن الربيع أضعته |
و أقام في قلبي و في عقلي ! |
*** |
و الجيش معقود لواؤك فوقه |
ما دمت تكسوه و تطعمه |
للخبز طاعته و حسن ولائه |
هو " لاته " الكبرى و " برهمه " |
فإذا يجوع بظلّ عرشك ليلة |
فهو الذي بيديه يحطّمه |
لك منه أسيفه ، و لكن في غد |
لسواك أسيفه و أسهمه |
أتراه سار إلى الوغى متعلّلا |
لولا الذي الشعراء تنظمه ؟ |
و إذا ترنّم هل بغير قصيدة |
من شاعر مثلي ترنّمه ؟ |
*** |
و البحر ، قد ظفرت يداك بدرّه |
و حصاه ، لكن هل ملكت هديره ؟ |
هو للدجى يلقي عليه خشوعه |
و الصّبح يسكب ، و هو يضحك ، نوره |
أمرجت أنت مياهه ؟ أصبغت أن |
ت رماله ؟ أجبلت أنت صخوره |
هو للرياح تهزّه و تثيره |
و الشهب تسمع في الظلام زئيره |
للطير هائمة به مفتونة |
لا للذين يروّعون طيوره |
للشاعر المفتون يخلق لاهيا |
من موجة حورا و يعشق حوره |
و لمن فيه رمز كيانه |
و لمن يجيد لغيره تصويره |
يا من يصيد الدرّ من أعماقه |
أخذت يداك من الجليل حقيره |
لا تدّعيه ... فليس يملك ، إنّه |
كالرّوض جهدك أن تشمّ عبيره |
*** |
و مررت بالجبل الأشمّ فما زوى |
عنّي محاسنه و لست أميرا |
و مررت أنت فما رأيت صخوره |
ضحكت و لا رقصت لديك حبورا |
و لقد نقلت لنملة ما تدّعي |
فتعجّبت ، ممّا حكيت ، كثيرا |
قالت : صديقك ما يكون ؟ أقشعما |
أو أرقما ؟ أم ضيغما هيصورا ؟ |
أيحوك مثل العنكبوت بيوته |
حوكا ؟ و يبني كالنسور و كورا ؟ |
هل يملأ الأعوار تبرا كالضّحى |
و يردّ كالغيث الموات نضيرا ؟ |
أيلفّ كاللّيل الأباطح و الرّبى |
و المنزل المعمور و المهجورا ؟ |
فأجبتها : كلّا ! فقالت : سمّه |
في غير خوف " كائنا مغرورا ! " |
3 |
فاحتدم السّلطان أيّ احتدام |
و لاح حبّ البطش في مقلتيه |
وصاح بالجلّاد : هات الحسام ! |
فأسرع الجلّاد يسعى إليه |
فقال: دحرج رأس هذا الغلام |
فرأسه عبء على منكبيه |
*** |
قد طبع السّيف لحزّ الرّقاب |
و هذه رقبة ثرثار |
أقتله ...و اطرح جسمه للكلاب |
و لتذهب الروح إلى النّار |
*** |
سمعا و طوعا ، سيّدي !.. و انتضى |
عضبا يموج الموت في شفرتيه |
و لم يكن إلاّ كبرق أضا |
حتّى أطار الرأس عن منكبيه |
فسقط الشاعر معرورضا |
يخدّش الأرض بكلتا يديه |
كأنّما يبحث عن رأسه |
فاستضحك السلطان من سجدته |
ثمّ استوى يهمس في نفسه |
" ذو جنّة " أمسى بلا جنّته |
*** |
أجل ، هكذا هلك الشاعر |
كما يهلك الآثم المذنب |
فما غضّ في روضة طائر |
و لم ينطفيء في السّما كوكب |
و لا جزع الشّجر الناضر |
و لا اكتأب المطرب |
و كوفيء عن قتله القاتل |
بمال جزيل وخدّ أسيل |
فقال له خلقه السّافل : |
ألا ليت لي كلّ يوم قتيل ! |
4 |
في ليلة طامسة الأنجم |
تسلّل الموت إلى القصر |
بين حراب الجند و الأسهم |
و الأسيف الهنديّة الحمر |
إلى سرير الملك الأعظم |
إلى أمير البرّ و البحر !! |
ففارق الدنيا و لمّا تزل |
فيها خمور و أغاريد |
فلم يمد حزنا عليه الجبل |
و لا ذوى في الرّوض أملود |
5 |
في حومة الموت و ظلّ البلى |
قد التقى السّلطان و الشاعر |
هذا بلا مجد ، و هذا بلا |
ذلّ ، فلا باغ و لا ثائر |
عانقت الأسمال تلك الحلى |
واصطحب المقهور و القاهر |
* |
لا يجزع الشاعر أن يقتلا |
ليس وراء القبر سيف و رمح |
و لا يبالي ذاك أن يعذلا |
سيّان عند الميّت ذمّ و مدح |
6 |
و توالت الأجيال تطّرد |
جيل يغيب و آخر يفد |
أخنت على القصر المنيف فلا |
الجدران قائمة و لا العمد |
و مشت على الجيش الكثيف فلا |
خيل مسوّمة و لا زرد |
ذهبت بمن صلحوا و من فسدوا |
و مضت بمن تعسوا و من سعدوا |
و بمن أذاب الحبّ مهجته |
و بمن تأكّل قلبه الحسد |
و طوت ملوكا ما لهم عدد |
فكأنّهم في الأرض ما وجدوا |
و الشاعر المقتول باقية |
أقواله فكأنّها الأبد |
ألشيخ يلمس في جوانبها |
صور الهوى و الحكمة الوله |
الفارس- عـضـو مـمـيـز
- عدد الرسائل : 631
العمر : 36
تاريخ التسجيل : 03/05/2008
رد: الشاعر و الملك الجائر (ايليا ابو ماضى)
فاحتدم السّلطان أيّ احتدام و لاح حبّ البطش في مقلتيه وصاح بالجلّاد : هات الحسام ! فأسرع الجلّاد يسعى إليه فقال: دحرج رأس هذا الغلام فرأسه عبء على منكبيه
الله الله الله
ماهذا الوصفالجميل لحاله الغضب
فعلا قصيده جميله
نتظر منك الأجمل
الحريف- ضيف عزيز وغالى
- عدد الرسائل : 713
العمر : 42
تاريخ التسجيل : 05/11/2007
مواضيع مماثلة
» ياجنتى (ايليا ابو ماضى)
» سيب الملك للمالك
» الملك/الاعمى/النسر ما هذا ’’’????
» أحمد رامي الشاعر العاشق
» البكاء بين يدي زرقاء اليمامة الشاعر امل دنقل
» سيب الملك للمالك
» الملك/الاعمى/النسر ما هذا ’’’????
» أحمد رامي الشاعر العاشق
» البكاء بين يدي زرقاء اليمامة الشاعر امل دنقل
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى