عيد الاضحى
2 مشترك
مـنـتــدي قــريــة دمـلــــو Damallo :: ثاقافــــــــــــــة دينــــــــــــــــــــــــية :: ثقافة دينية
صفحة 1 من اصل 1
عيد الاضحى
هذا يوم العيد، هذا يوم التكبير، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
نحن المسلمين بالتكبير نزين الأعياد، بالتكبير نصنع الأمجاد، بالتكبير نبدأ الصلاة، بالتكبير نبدأ الأذان، بالتكبير الإقامة، بالتكبير نبدأ المعارك، بالتكبير نبدأ الحياة! إذا ولد المولود منا أذنا في أذنه: الله أكبر، وإذا أقمنا للصلاة قلنا: الله أكبر، وإذا ذبحنا أو نحرنا قلنا: بسم الله والله أكبر. نحن المهللون المكبرون، نحن المسلمين تعلمنا أن يكون شعارنا: الله أكبر.
(الله أكبر) بها نرعب الأعداء في الحروب (الله أكبر) بها نقتحم الأحداث والخطوب. في يوم بدر انتصرنا لأن شعارنا كان: الله أكبر. في يوم عين جالوت كان شعارنا: الله أكبر. في يوم العاشر من رمضان تحقق لنا النصر لأننا جعلنا شعارنا: الله أكبر.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
معنى التكبير
(الله أكبر) ليست كلمة تقال، وليست مجرد شعار يرفع، إنما (الله أكبر) معناها يا أخي المسلم: أن تكون الدنيا كلها في عينك صغيرة في جنب الله عز وجل. إذا عرض عليك المال، أو عرض عليك الجاه، أو عرضت عليك الدنيا مجتمعة، لتتنازل عن دينك، استمسكت بدينك وقلت: الله أكبر. الله أكبر من المال والثروة، الله أكبر من الجاه والمنصب، الله أكبر من المتع والشهوات، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
أعيادنا تأتي عقب فرائض وعبادات كبرى
نحن في عيد الأضحى، ولنا نحن المسلمون عيدان. حينما "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كما نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر".
وقد شاء الله لنا نحن المسلمين أن تكون أعيادنا عقب فرائض وعبادات كبرى، فعيد الفطر بعد عبادة الصيام، بعد أن تجوع البطون، وتظمأ الشفاه لله، ويدع الإنسان طعامه من أجل الله، وشرابه من أجل الله، وشهوته من أجل الله، وزوجته من أجل الله، يأتيه العيد (جائزة) من الله تعالى، بعد هذه المشقة في سبيل الله، و"للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".
ويأتي عيد الأضحى عقب الحج، فهو يوم الحج الأكبر، بعد أن يقف الحجاج في عرفات، متجردين لله تعالى من مظاهر الدنيا، لابسين ثيابا بيضاء، أشبه ما تكون بأكفان الموتى، قد تساووا صغيرهم وكبيرهم، أميرهم وخفيرهم، غنيهم وفقيرهم، تجردوا وتساووا أمام الله، لبوا نداء الله، نداؤهم واحد، دينهم واحد، ربهم واحد، نبيهم واحد، كتابهم واحد، حداؤهم واحد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
هناك يتجلى الله تعالى على عباده، يباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول للملائكة: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا، غبرا، ضاحين -أي متعرضين لحرارة الشمس- من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم…".
الحج يأتي بعده العيد الأكبر: عيد الأضحى، والصيام يأتي بعده عيد الفطر. أعيادنا بعد العبادات وبعد فرائض وشعائر تقام لله.
ولهذا فإن لأعيادنا نحن المسلمين خصائص:
أعيادنا أعياد ربانية. ليس يوم العيد عندنا يوم (كاس وطاس)، ولا يوم انفلات للشهوات، أو جري وراء الملذات، إن أعيادنا تبدأ بالتكبير، تبدأ بـ (الله أكبر)، تبدأ بالصلاة. أعيادنا أعيادا ربانية، أعيادا موصولة الحبال بالله تبارك وتعالى.
وهي كذلك أعياد إنسانية، لأن المعاني الإنسانية تتجلى فيها أعظم التجلي. لا يريد الإسلام للمسلم أن يفرح بالعيد وحده، فليس منا من أكل وحده، وليس منا من عاش لنفسه.
في عيد الفطر شرع الإسلام زكاة الفطر، "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو الرفث، وطعمة للمساكين"، فرضها على كل صغير وكبير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد من المسلمين، وقال: "أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم". بدل أن يطوف المسكين ويسأل الغني، فإن الغني يبحث عنه، ويسأل ويطوف، ويذهب إلى داره ليعطيه زكاة الفطر، لتعم الفرحة، ويعم السرور الجميع.
وكذلك في عيد الأضحى، شرع الإسلام (الأضحية) ليوسع الإنسان على أهله، ويوسع الإنسان على أحبائه وجيرانه، ويوسع على فقراء المسلمين. هكذا ينبغي أن توزع الأضحية أثلاثا: ثلث لنفسه وأهله، وثلث يهدي منه جيرانه وأصدقاءه، وثلث للفقراء. وإذا كان أكثر من الثلث للفقراء فقد أحسن.
وليس لفقراء المسلمين فقط، بل إن التسامح الإسلامي شمل المسلمين وغير المسلمين. روى أبو داود والترمذي أن عبد الله بن عمرو بن العاص ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" أي يورث الجار من الجار، كما يرث القريب من القريب.
ليس بمؤمن من عاش لنفسه
هذا هو الإسلام. ليس من الإسلام أن تأكل وحدك، أن تجمع على مائدتك من الأطعمة أطيبها، ومن الأشربة أعذبها، وأن تلبس من الثياب أحسنها، وبجوارك أخ لك أو قريب، أو جار، لا يجد ما يمسك الرمق، أو يطفئ الحرق، يئن من الجوع أنين الملسوع. ليس هذا من الإسلام، برئ من ذلك محمد صلى الله عليه وسلم فقال: "ما آمن بي - وفي رواية: ليس المؤمن -من بات شبعانا، وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم". أي ليس بمؤمن من عاش لنفسه ولم يعش لإخوانه، ولم يعش لمجتمعه، هذا هو الإسلام قبل أن تعرف الدنيا المذاهب المستوردة من هنا وهناك.
الدين محرك الجماهير
هذا التجمع المؤمن علام يدل؟ إني أنظر مد البصر، فلا أكاد أرى له آخرا. علام يدل هذا التجمع الذي دعا إليه فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى؟ إنه يدل على وجه مصر الحقيقي. هذا هو وجه مصر، من أراد أن يعرف هذا البلد، فليعرفه هنا. ليس الذين يجلسون في البارات، أو في الكباريهات، أو يجلسون حول الموائد الخضراء، أو في الليالي الحمراء،
ان ديننا هو الاسلام
هذا هو الدين محرك الجماهير، هذا هو الدين مصدر القوة، لم تستند هذه الأمة إلى الدين يوما واخفقت أو هزمت.
يوم صاح الصائم في عين جالوت، صاح في جنود مصر: واإسلاماه… واإسلاماه. قالها قطز قائد معركة عين جالوت، ورمى خوذته، هنالك حرك الكامن، وهاج الساكن، وأقبل المتردد، وتشجع الجبان، وكان النصر على التتار.
يوم استندت هذه الأمة إلى معاني الإيمان في العاشر من رمضان وصاحت: الله أكبر، انتصرت.
وفي سنة (1967م) يوم دخلوا المعركة بعيدين عن الله، ناسين، يقولون للجنود: معكم الممثل الفلاني والممثلة الفلانية، وتوزع عليهم صور المطربين والممثلات بدل أن يوزع المصحف.. أن يوزع القرآن، كانت النتيجة ما عرفناه من العار، والهزيمة، والنكسة، والوكسة.
الدين ليس أفيونا، الدين ليس مخدرا، إن صح هذا في دين من الأديان، فلن يصح في الإسلام.
الإسلام دين القوة، الإسلام هو مصدر العزة والقوة… مصدر التحريك لهذه الأمة.
لا يحرك هذه الأمة شيء كالإسلام. لا يحركها وطنية، أو قومية، أو عروبة، أو فرعونية، إنما يحركها: الله أكبر، إنما يحركها: لا إله إلا الله محمدا رسول الله، إنما يحركها أن ينادي المنادي: يا خيل الله اركبي، ويا ريح الجنة هبي! هنالك نرى هذه الأمة حقيقة واقعية، لا دعوى تدعى.
إن الشيوعيين الذين يريدون هذا البلد شيوعيا واهمون مخطئون. لن تكفر مصر، لن ترتد عن إسلامها، لن ترجع عن دينها. هؤلاء غرباء عن هذا البلد، غرباء عن مصر. مصر مسلمة مؤمنة.
أما الذين يقولون: إن الله لم يخلق الإنسان، ولكن الإنسان هو الذي خلق الله، فهؤلاء الماديون.. الملحدون.. الشيوعيون، لا مكان لهم في بلدنا، البلد المسلم.. الشعب مؤمن.
ثم هناك طائفة أخرى على النقيض من هؤلاء، ولكنهم جهلوا مصر أيضا. إنها طائفة غفلت عن حقيقة هذه الأمة. غرهم ظاهر المنكرات التي يرونها في الشوارع، وفي الأجهزة التي تبث الفساد، غرهم هذا فظنوا أن هذا الشعب قد كفر. كفروا الناس بالجملة، كفروا المجتمع بغير تمييز ولا تفضيل، هؤلاء أخطأوا.
هذه الأمة لم تكفر بربها، ولا بقرآنها، ولا بمحمدها عليه الصلاة والسلام. هذا الشعب مسلم، قد يتراكم عليه غبار المعصية، قد يعتريه الصدأ من كثرة التوجيهات المضللة الفاسدة المفسدة من هنا وهناك. ولكن إذا أزلت هذا الغبار، إذا حككت هذا الصدأ، تبين لك المعدن الحقيقي، تبين لك الجوهر الأصيل. معدن هذه الأمة هو الإسلام، الخامة الأصلية لهذه الأمة، هي الإسلام، أرضية هذه الأمة هي الإسلام، فليعلم ذلك الغلاة المتطرفون.
وفئة ثالثة أذكرها بهذا الجمع. إنها فئة العلمانيين، الذي يريدون أن يفصلوا بين العقيدة والشريعة، أو بين الدين والدولة، الذين يريدونها دولة لا دين لها، أو دينا لا دولة له، أخطأتم أيها العلمانيون، هذه الأمة تريد أن تحكم وفق عقيدتها.
إن هذا الصراع وهذا التناقض الذي يحس به المسلم في حياته، بجب أن يزول. المسلم يحس في أعماقه أنه مؤمن بالله، مؤمن بالإسلام، مؤمن بالقرآن، رضي بالله ربا وبالإسلام دينا، وبحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، وبالقرآن منهاجا وإماما.
هذا المسلم يحس أنه يحكم ويقاد في كثير من الأوضاع والمفاهيم والقوانين والتقاليد بغير الإسلام، وبغير شريعة الإسلام. ولهذا يجب أن تتعالى الأصوات في كل مكان، تنادي بشريعة الإسلام، تنادي بحكم القرآن، يجب أن يكون ذلك في كل مكان.
وأحب أن أقول هنا شيئا: ماذا نريد بشريعة الإسلام؟ إن بعض الناس يظن أن مجرد تعديل القوانين يقيم شريعة الإسلام، وأن مجرد تطبيق الحدود يقيم مجتمع الإسلام، وأمة الإسلام.
لا. الإسلام أيها المسلمون: فلسفة حياة، ونظام حياة. نظام يصحب الفرد من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة، بل ربما صحبه قبل الميلاد وبعد الوفاة.
فإن في الإسلام أحكاما تتعلق بالجنين في بطن أمه، وأحكاما تتعلق بالميت بعد موته: أحكام الغسل والتكفين والصلاة والدفن وتقسيم التركة وغير ذلك.
الإسلام يصحب الإنسان في رحلة الحياة كلها، كما يصحبه في مجالات الحياة كلها: في المسجد، والبيت، والمزرعة، والمصنع، والمدرسة، والمحكمة، والطريق… إنه يهيئ للإنسان حياة إسلامية، متكاملة، توجهها العقيدة، وتضبطها القيم، وتحكمها الشريعة في كل شيء. من قضاء الحاجة إلى نظام الخلافة، من أدب المائدة إلى بناء الدولة، يعلمك كيف تأكل وكيف تشرب "سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" " ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها" ولا بملعقة من فضة أو ذهب، و.. و.. كما يعلمك كيف تحكم (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك…).
(… وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين).
فإذا أردنا أن نحكم الإسلام، فلابد أن يتغير المجتمع كله إلى الإسلام. تتغير الأفكار والمفاهيم، تتغير القيم والأخلاق، تتغير العادات والتقاليد، تتغير العواطف والمشاعر، تتغير الأنظمة والشرائع والقوانين، تتغير الثقافة والإعلام، تتغير التربية والتعليم. نريد تشريعا إسلاميا.. تربية إسلامية.. إعلاما إسلاميا.. ثقافة إسلامية.. توجيها إسلاميا في كل مكان، هذا ما نريده إذا أردنا أن نحكم الإسلام، ونقيم المجتمع المسلم حقا
الإسلام يحتاج إلى رجال ينصرونه
إن الإسلام دين عظيم. إن الله من علينا بهذا الدين، وهو أفضل دين. من الله علينا بأكرم نبي أرسل، وأعظم كتاب أنزل، من علينا بالقرآن، وبمحمد عليه الصلاة والسلام، وأنعم علينا بالإسلام (.. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا…).
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
ولكن هل يعز على الإسلام، ويسود الإسلام، وينتصر الإسلام وحده؟ هل ينتصر الإسلام ويظهر على الدين كله بغير مسلمين؟ هل يعز الإسلام بغير رجال؟ لا، إن الإسلام يحتاج إلى رجال ينصرونه، ويعزونه، وينشرونه، ويكونون مثلا له في الأرض، مثلا عملية يراهم الناس فيرون فيهم الإسلام. إذا سار أحدهم قالوا: انظروا، هذا هو الإسلام المجسم، هذا قرآن يسعى على قدمين، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وكما كان الصحابة رضوان الله عليهم.
الإسلام عظيم، ولكنه يحتاج إلى مسلمين عظماء يكافئون عظمته. إن الله تعالى يقول لرسوله: (… هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين) وبالمؤمنين… لابد من المؤمنين.
إن رجلا أجنبيا درس الإسلام، فأعجب به، وأعجب بتعاليمه، فقال كلمة يجب أن نحفظها ونرويها، لأنها تقطع نياط القلوب. ماذا قال؟ قال: ما أعظمه من دين لو كان له رجال!! دين عظيم ولكنه في حاجة إلى رجال عظماء، دين قوي ولكنه في حاجة إلى رجال أقوياء.
فواعجبا: إن عدد المسلمين في العالم يقارب المليار، وربما يجاوز المليار، نحو ألف مليون مسلم في العالم، كما تدل على ذلك الإحصائيات، ولكن هؤلاء المنسوبين إليه، المحسوبين عليه، لا يمثلون الإسلام حقيقة التمثيل. إنهم كما جاء في الحديث: "غثاء كغثاء السيل".
نريد قلة مؤمنة لا كثرة عاطلة. نريد الكيف قبل الكم، لا نريد الكثرة الغثائية التي قال فيها الشاعر قديما.
إني لأفتح عيني حين أفتحها على كثير ولكن لا أرى أحدا!
لا نريد أناسا من هذا الصنف، نريد مسلمين… مسلمين حقيقيين، الواحد منهم بألف، وقد قال الشاعر:
والناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عنا
وقال الله تعالى: (… كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله…)
لا عزة إلا بالإسلام
إن هذا التجمع يعرفنا حقيقة أنفسنا، لا نريد أن ننصرف لنلهو ونلعب، ولكن نريد أن ننصرف لنتعاهد على نصرة الإسلام، لنربي أنفسنا على الإسلام، لنربي أبناءنا وبناتنا على الإسلام، لنربي أهلينا وزوجاتنا على الإسلام.
الإسلام أساس عزنا في الدنيا، وأساس سعادتنا في الآخرة. إذا أردنا العزة في الدنيا، فلا عزة والله إلا بالإسلام.
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان في طريقه إلى الشام، وكان معه أبو عبيدة -رضي الله عنه- فقابلتهم مخاضة- فنزل عمر ليخوض هذه المخاضة، وخلع نعليه، وأمسك بهما كأي رجل عادي من الناس، فانزعج أبو عبيدة وقال يا أمير المؤمنين: لو فعلت غير هذا، الناس يرونك، وأنت يا أمير المؤمنين وخليفة المسلمين. فماذا قال عمر؟ قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغيره أذلنا الله.
الإيمان يصنع الرجال
لا عزة بغير الإسلام (.. ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون).
إذا أردنا النصر على عدونا فلا نصر إلا بالإسلام. النصر لا يأتي بغير الإيمان، ولا إيمان بغير الرجوع إلى الإسلام.
الإيمان هو الذي يصنع البطولات، هو الذي يصنع الروائع. الأسلحة وحدها لا تغني، السلاح لا يقاتل وحده، إنما يقاتل بالرجل الذي يستخدمه، وقديما قال المتنبي:
وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا إذا لم يكن فوق الكرام كرام؟
خيل بغير خيال ماذا تصنع؟ وقال الطغرائي:
وعادة السيف أن يزهى بجوهره وليس يعمل إلا في يدي بطل!
في سنة (1967م) كانت عندنا دبابات تزن الواحدة منها (ستين) طنا من أحدث طراز، ولكن تركوها وهرولوا.. طلبوا الفرار، ولم يكلف أحدهم خاطره أن يخربها قبل أن يتركها، وتسلمها الأعداء لقمة سائغة، وغنيمة باردة، لماذا؟ لأن كل واحد كان يقول: الفرار الفرار.. النجاة النجاة.. نفسي نفسي.
بالإيمان نستطيع أن نصنع الرجال الذين يكسبون حقوقهم بأيديهم بمثل هذا الإيمان هبت نفحة من نفحات رمضان، فحققنا ما تحقق في رمضان.
إذا أردنا العزة، فلا عزة إلا بالإسلام. وإذا أردنا النصر، فلا نصر إلا بالإسلام. وإذا أردنا الوحدة، فلا وحدة إلا بالإسلام.
يريدون الوحدة العربية. كيف يتحد العرب إذا لم يكن منهجهم الإسلام؟! إذا تركوا الإسلام تفرقوا إلى يمين ويسار، واليمين درجات، واليسار درجات. هناك يمين اليمين، ووسط اليمين، ويسار اليمين. وهناك يسار اليسار، ووسط اليسار، ويمين اليسار. هناك من يتجه إلى موسكو، وهناك من يتجه إلى بكين، وهناك من يتجه إلى لندن، وهناك من يتجه إلى واشنطن، قبلات متعددة، ووجهات متفرعة، سيتفرق الجميع إذا لم يلتقوا على الإسلام.
الإسلام دين الأمة، وهو الذي يوحد الجميع. يوحد قبلتهم، ويوحد مشاعرهم، ويوحد أهدافهم، ويوحد منهاجهم. إن الله تعالى يقول: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله..). قال ابن مسعود رضي الله عنه: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا -أي على الرمل، يرسم لهم بوسائل الإيضاح المتاحة- ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، وقال: هذه سبل، كل على سبيل منها شيطان يدعو إليه وقرأ: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه..).
الخاتمة
كلمة أريد أن أختم بها. إن دعوتنا إلى الإسلام لا تحمل أي عدوان على أحد، ولا تحمل أي تعصب ضد أحد. حينما ندعو إلى الإسلام، إنما ندعو إلى المثل العليا، إنما ندعو إلى القيم الرفيعة التي جاء بها الأنبياء، ونادت بها كل الرسالات. القيم والمثل التي نادى بها بعد ذلك خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
فلنحرص جميعا على الإسلام، ولنعش بالإسلام، ولنمت على الإسلام، وليكن شعارنا: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل يومنا خيرا من أمسنا، ويجعل غدنا خيرا من يومنا، ويحسن عاقبتنا في الأمور كلها، ويجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم اجعل هذا العيد بشير خير وبركة على المسلمين، ونذير وبال وحسرة على الظلم والظالمين. اللهم أعد أمثاله على أمتنا الكبرى من المحيط إلى المحيط، بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى. (.. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم).
أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم.
(والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
وصيتي إلى الأخوة أن ينصرفوا في هدوء مشكورين مأجورين، ومن جاء من طريق فليرجع من طريق آخر. تهنئة المسلمين بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم. زوروا بعضكم بعضا، وتواصلوا فيما بينكم، فإن الصلة من أهداف الإسلام، ومن مبادئ الإسلام.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نحن المسلمين بالتكبير نزين الأعياد، بالتكبير نصنع الأمجاد، بالتكبير نبدأ الصلاة، بالتكبير نبدأ الأذان، بالتكبير الإقامة، بالتكبير نبدأ المعارك، بالتكبير نبدأ الحياة! إذا ولد المولود منا أذنا في أذنه: الله أكبر، وإذا أقمنا للصلاة قلنا: الله أكبر، وإذا ذبحنا أو نحرنا قلنا: بسم الله والله أكبر. نحن المهللون المكبرون، نحن المسلمين تعلمنا أن يكون شعارنا: الله أكبر.
(الله أكبر) بها نرعب الأعداء في الحروب (الله أكبر) بها نقتحم الأحداث والخطوب. في يوم بدر انتصرنا لأن شعارنا كان: الله أكبر. في يوم عين جالوت كان شعارنا: الله أكبر. في يوم العاشر من رمضان تحقق لنا النصر لأننا جعلنا شعارنا: الله أكبر.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد.
معنى التكبير
(الله أكبر) ليست كلمة تقال، وليست مجرد شعار يرفع، إنما (الله أكبر) معناها يا أخي المسلم: أن تكون الدنيا كلها في عينك صغيرة في جنب الله عز وجل. إذا عرض عليك المال، أو عرض عليك الجاه، أو عرضت عليك الدنيا مجتمعة، لتتنازل عن دينك، استمسكت بدينك وقلت: الله أكبر. الله أكبر من المال والثروة، الله أكبر من الجاه والمنصب، الله أكبر من المتع والشهوات، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.
أعيادنا تأتي عقب فرائض وعبادات كبرى
نحن في عيد الأضحى، ولنا نحن المسلمون عيدان. حينما "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كما نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر".
وقد شاء الله لنا نحن المسلمين أن تكون أعيادنا عقب فرائض وعبادات كبرى، فعيد الفطر بعد عبادة الصيام، بعد أن تجوع البطون، وتظمأ الشفاه لله، ويدع الإنسان طعامه من أجل الله، وشرابه من أجل الله، وشهوته من أجل الله، وزوجته من أجل الله، يأتيه العيد (جائزة) من الله تعالى، بعد هذه المشقة في سبيل الله، و"للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".
ويأتي عيد الأضحى عقب الحج، فهو يوم الحج الأكبر، بعد أن يقف الحجاج في عرفات، متجردين لله تعالى من مظاهر الدنيا، لابسين ثيابا بيضاء، أشبه ما تكون بأكفان الموتى، قد تساووا صغيرهم وكبيرهم، أميرهم وخفيرهم، غنيهم وفقيرهم، تجردوا وتساووا أمام الله، لبوا نداء الله، نداؤهم واحد، دينهم واحد، ربهم واحد، نبيهم واحد، كتابهم واحد، حداؤهم واحد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
هناك يتجلى الله تعالى على عباده، يباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول للملائكة: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا، غبرا، ضاحين -أي متعرضين لحرارة الشمس- من كل فج عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم…".
الحج يأتي بعده العيد الأكبر: عيد الأضحى، والصيام يأتي بعده عيد الفطر. أعيادنا بعد العبادات وبعد فرائض وشعائر تقام لله.
ولهذا فإن لأعيادنا نحن المسلمين خصائص:
أعيادنا أعياد ربانية. ليس يوم العيد عندنا يوم (كاس وطاس)، ولا يوم انفلات للشهوات، أو جري وراء الملذات، إن أعيادنا تبدأ بالتكبير، تبدأ بـ (الله أكبر)، تبدأ بالصلاة. أعيادنا أعيادا ربانية، أعيادا موصولة الحبال بالله تبارك وتعالى.
وهي كذلك أعياد إنسانية، لأن المعاني الإنسانية تتجلى فيها أعظم التجلي. لا يريد الإسلام للمسلم أن يفرح بالعيد وحده، فليس منا من أكل وحده، وليس منا من عاش لنفسه.
في عيد الفطر شرع الإسلام زكاة الفطر، "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو الرفث، وطعمة للمساكين"، فرضها على كل صغير وكبير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد من المسلمين، وقال: "أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم". بدل أن يطوف المسكين ويسأل الغني، فإن الغني يبحث عنه، ويسأل ويطوف، ويذهب إلى داره ليعطيه زكاة الفطر، لتعم الفرحة، ويعم السرور الجميع.
وكذلك في عيد الأضحى، شرع الإسلام (الأضحية) ليوسع الإنسان على أهله، ويوسع الإنسان على أحبائه وجيرانه، ويوسع على فقراء المسلمين. هكذا ينبغي أن توزع الأضحية أثلاثا: ثلث لنفسه وأهله، وثلث يهدي منه جيرانه وأصدقاءه، وثلث للفقراء. وإذا كان أكثر من الثلث للفقراء فقد أحسن.
وليس لفقراء المسلمين فقط، بل إن التسامح الإسلامي شمل المسلمين وغير المسلمين. روى أبو داود والترمذي أن عبد الله بن عمرو بن العاص ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" أي يورث الجار من الجار، كما يرث القريب من القريب.
ليس بمؤمن من عاش لنفسه
هذا هو الإسلام. ليس من الإسلام أن تأكل وحدك، أن تجمع على مائدتك من الأطعمة أطيبها، ومن الأشربة أعذبها، وأن تلبس من الثياب أحسنها، وبجوارك أخ لك أو قريب، أو جار، لا يجد ما يمسك الرمق، أو يطفئ الحرق، يئن من الجوع أنين الملسوع. ليس هذا من الإسلام، برئ من ذلك محمد صلى الله عليه وسلم فقال: "ما آمن بي - وفي رواية: ليس المؤمن -من بات شبعانا، وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم". أي ليس بمؤمن من عاش لنفسه ولم يعش لإخوانه، ولم يعش لمجتمعه، هذا هو الإسلام قبل أن تعرف الدنيا المذاهب المستوردة من هنا وهناك.
الدين محرك الجماهير
هذا التجمع المؤمن علام يدل؟ إني أنظر مد البصر، فلا أكاد أرى له آخرا. علام يدل هذا التجمع الذي دعا إليه فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى؟ إنه يدل على وجه مصر الحقيقي. هذا هو وجه مصر، من أراد أن يعرف هذا البلد، فليعرفه هنا. ليس الذين يجلسون في البارات، أو في الكباريهات، أو يجلسون حول الموائد الخضراء، أو في الليالي الحمراء،
ان ديننا هو الاسلام
هذا هو الدين محرك الجماهير، هذا هو الدين مصدر القوة، لم تستند هذه الأمة إلى الدين يوما واخفقت أو هزمت.
يوم صاح الصائم في عين جالوت، صاح في جنود مصر: واإسلاماه… واإسلاماه. قالها قطز قائد معركة عين جالوت، ورمى خوذته، هنالك حرك الكامن، وهاج الساكن، وأقبل المتردد، وتشجع الجبان، وكان النصر على التتار.
يوم استندت هذه الأمة إلى معاني الإيمان في العاشر من رمضان وصاحت: الله أكبر، انتصرت.
وفي سنة (1967م) يوم دخلوا المعركة بعيدين عن الله، ناسين، يقولون للجنود: معكم الممثل الفلاني والممثلة الفلانية، وتوزع عليهم صور المطربين والممثلات بدل أن يوزع المصحف.. أن يوزع القرآن، كانت النتيجة ما عرفناه من العار، والهزيمة، والنكسة، والوكسة.
الدين ليس أفيونا، الدين ليس مخدرا، إن صح هذا في دين من الأديان، فلن يصح في الإسلام.
الإسلام دين القوة، الإسلام هو مصدر العزة والقوة… مصدر التحريك لهذه الأمة.
لا يحرك هذه الأمة شيء كالإسلام. لا يحركها وطنية، أو قومية، أو عروبة، أو فرعونية، إنما يحركها: الله أكبر، إنما يحركها: لا إله إلا الله محمدا رسول الله، إنما يحركها أن ينادي المنادي: يا خيل الله اركبي، ويا ريح الجنة هبي! هنالك نرى هذه الأمة حقيقة واقعية، لا دعوى تدعى.
إن الشيوعيين الذين يريدون هذا البلد شيوعيا واهمون مخطئون. لن تكفر مصر، لن ترتد عن إسلامها، لن ترجع عن دينها. هؤلاء غرباء عن هذا البلد، غرباء عن مصر. مصر مسلمة مؤمنة.
أما الذين يقولون: إن الله لم يخلق الإنسان، ولكن الإنسان هو الذي خلق الله، فهؤلاء الماديون.. الملحدون.. الشيوعيون، لا مكان لهم في بلدنا، البلد المسلم.. الشعب مؤمن.
ثم هناك طائفة أخرى على النقيض من هؤلاء، ولكنهم جهلوا مصر أيضا. إنها طائفة غفلت عن حقيقة هذه الأمة. غرهم ظاهر المنكرات التي يرونها في الشوارع، وفي الأجهزة التي تبث الفساد، غرهم هذا فظنوا أن هذا الشعب قد كفر. كفروا الناس بالجملة، كفروا المجتمع بغير تمييز ولا تفضيل، هؤلاء أخطأوا.
هذه الأمة لم تكفر بربها، ولا بقرآنها، ولا بمحمدها عليه الصلاة والسلام. هذا الشعب مسلم، قد يتراكم عليه غبار المعصية، قد يعتريه الصدأ من كثرة التوجيهات المضللة الفاسدة المفسدة من هنا وهناك. ولكن إذا أزلت هذا الغبار، إذا حككت هذا الصدأ، تبين لك المعدن الحقيقي، تبين لك الجوهر الأصيل. معدن هذه الأمة هو الإسلام، الخامة الأصلية لهذه الأمة، هي الإسلام، أرضية هذه الأمة هي الإسلام، فليعلم ذلك الغلاة المتطرفون.
وفئة ثالثة أذكرها بهذا الجمع. إنها فئة العلمانيين، الذي يريدون أن يفصلوا بين العقيدة والشريعة، أو بين الدين والدولة، الذين يريدونها دولة لا دين لها، أو دينا لا دولة له، أخطأتم أيها العلمانيون، هذه الأمة تريد أن تحكم وفق عقيدتها.
إن هذا الصراع وهذا التناقض الذي يحس به المسلم في حياته، بجب أن يزول. المسلم يحس في أعماقه أنه مؤمن بالله، مؤمن بالإسلام، مؤمن بالقرآن، رضي بالله ربا وبالإسلام دينا، وبحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، وبالقرآن منهاجا وإماما.
هذا المسلم يحس أنه يحكم ويقاد في كثير من الأوضاع والمفاهيم والقوانين والتقاليد بغير الإسلام، وبغير شريعة الإسلام. ولهذا يجب أن تتعالى الأصوات في كل مكان، تنادي بشريعة الإسلام، تنادي بحكم القرآن، يجب أن يكون ذلك في كل مكان.
وأحب أن أقول هنا شيئا: ماذا نريد بشريعة الإسلام؟ إن بعض الناس يظن أن مجرد تعديل القوانين يقيم شريعة الإسلام، وأن مجرد تطبيق الحدود يقيم مجتمع الإسلام، وأمة الإسلام.
لا. الإسلام أيها المسلمون: فلسفة حياة، ونظام حياة. نظام يصحب الفرد من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة، بل ربما صحبه قبل الميلاد وبعد الوفاة.
فإن في الإسلام أحكاما تتعلق بالجنين في بطن أمه، وأحكاما تتعلق بالميت بعد موته: أحكام الغسل والتكفين والصلاة والدفن وتقسيم التركة وغير ذلك.
الإسلام يصحب الإنسان في رحلة الحياة كلها، كما يصحبه في مجالات الحياة كلها: في المسجد، والبيت، والمزرعة، والمصنع، والمدرسة، والمحكمة، والطريق… إنه يهيئ للإنسان حياة إسلامية، متكاملة، توجهها العقيدة، وتضبطها القيم، وتحكمها الشريعة في كل شيء. من قضاء الحاجة إلى نظام الخلافة، من أدب المائدة إلى بناء الدولة، يعلمك كيف تأكل وكيف تشرب "سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك" " ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها" ولا بملعقة من فضة أو ذهب، و.. و.. كما يعلمك كيف تحكم (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك…).
(… وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين).
فإذا أردنا أن نحكم الإسلام، فلابد أن يتغير المجتمع كله إلى الإسلام. تتغير الأفكار والمفاهيم، تتغير القيم والأخلاق، تتغير العادات والتقاليد، تتغير العواطف والمشاعر، تتغير الأنظمة والشرائع والقوانين، تتغير الثقافة والإعلام، تتغير التربية والتعليم. نريد تشريعا إسلاميا.. تربية إسلامية.. إعلاما إسلاميا.. ثقافة إسلامية.. توجيها إسلاميا في كل مكان، هذا ما نريده إذا أردنا أن نحكم الإسلام، ونقيم المجتمع المسلم حقا
الإسلام يحتاج إلى رجال ينصرونه
إن الإسلام دين عظيم. إن الله من علينا بهذا الدين، وهو أفضل دين. من الله علينا بأكرم نبي أرسل، وأعظم كتاب أنزل، من علينا بالقرآن، وبمحمد عليه الصلاة والسلام، وأنعم علينا بالإسلام (.. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا…).
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
ولكن هل يعز على الإسلام، ويسود الإسلام، وينتصر الإسلام وحده؟ هل ينتصر الإسلام ويظهر على الدين كله بغير مسلمين؟ هل يعز الإسلام بغير رجال؟ لا، إن الإسلام يحتاج إلى رجال ينصرونه، ويعزونه، وينشرونه، ويكونون مثلا له في الأرض، مثلا عملية يراهم الناس فيرون فيهم الإسلام. إذا سار أحدهم قالوا: انظروا، هذا هو الإسلام المجسم، هذا قرآن يسعى على قدمين، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وكما كان الصحابة رضوان الله عليهم.
الإسلام عظيم، ولكنه يحتاج إلى مسلمين عظماء يكافئون عظمته. إن الله تعالى يقول لرسوله: (… هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين) وبالمؤمنين… لابد من المؤمنين.
إن رجلا أجنبيا درس الإسلام، فأعجب به، وأعجب بتعاليمه، فقال كلمة يجب أن نحفظها ونرويها، لأنها تقطع نياط القلوب. ماذا قال؟ قال: ما أعظمه من دين لو كان له رجال!! دين عظيم ولكنه في حاجة إلى رجال عظماء، دين قوي ولكنه في حاجة إلى رجال أقوياء.
فواعجبا: إن عدد المسلمين في العالم يقارب المليار، وربما يجاوز المليار، نحو ألف مليون مسلم في العالم، كما تدل على ذلك الإحصائيات، ولكن هؤلاء المنسوبين إليه، المحسوبين عليه، لا يمثلون الإسلام حقيقة التمثيل. إنهم كما جاء في الحديث: "غثاء كغثاء السيل".
نريد قلة مؤمنة لا كثرة عاطلة. نريد الكيف قبل الكم، لا نريد الكثرة الغثائية التي قال فيها الشاعر قديما.
إني لأفتح عيني حين أفتحها على كثير ولكن لا أرى أحدا!
لا نريد أناسا من هذا الصنف، نريد مسلمين… مسلمين حقيقيين، الواحد منهم بألف، وقد قال الشاعر:
والناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عنا
وقال الله تعالى: (… كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله…)
لا عزة إلا بالإسلام
إن هذا التجمع يعرفنا حقيقة أنفسنا، لا نريد أن ننصرف لنلهو ونلعب، ولكن نريد أن ننصرف لنتعاهد على نصرة الإسلام، لنربي أنفسنا على الإسلام، لنربي أبناءنا وبناتنا على الإسلام، لنربي أهلينا وزوجاتنا على الإسلام.
الإسلام أساس عزنا في الدنيا، وأساس سعادتنا في الآخرة. إذا أردنا العزة في الدنيا، فلا عزة والله إلا بالإسلام.
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان في طريقه إلى الشام، وكان معه أبو عبيدة -رضي الله عنه- فقابلتهم مخاضة- فنزل عمر ليخوض هذه المخاضة، وخلع نعليه، وأمسك بهما كأي رجل عادي من الناس، فانزعج أبو عبيدة وقال يا أمير المؤمنين: لو فعلت غير هذا، الناس يرونك، وأنت يا أمير المؤمنين وخليفة المسلمين. فماذا قال عمر؟ قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغيره أذلنا الله.
الإيمان يصنع الرجال
لا عزة بغير الإسلام (.. ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون).
إذا أردنا النصر على عدونا فلا نصر إلا بالإسلام. النصر لا يأتي بغير الإيمان، ولا إيمان بغير الرجوع إلى الإسلام.
الإيمان هو الذي يصنع البطولات، هو الذي يصنع الروائع. الأسلحة وحدها لا تغني، السلاح لا يقاتل وحده، إنما يقاتل بالرجل الذي يستخدمه، وقديما قال المتنبي:
وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا إذا لم يكن فوق الكرام كرام؟
خيل بغير خيال ماذا تصنع؟ وقال الطغرائي:
وعادة السيف أن يزهى بجوهره وليس يعمل إلا في يدي بطل!
في سنة (1967م) كانت عندنا دبابات تزن الواحدة منها (ستين) طنا من أحدث طراز، ولكن تركوها وهرولوا.. طلبوا الفرار، ولم يكلف أحدهم خاطره أن يخربها قبل أن يتركها، وتسلمها الأعداء لقمة سائغة، وغنيمة باردة، لماذا؟ لأن كل واحد كان يقول: الفرار الفرار.. النجاة النجاة.. نفسي نفسي.
بالإيمان نستطيع أن نصنع الرجال الذين يكسبون حقوقهم بأيديهم بمثل هذا الإيمان هبت نفحة من نفحات رمضان، فحققنا ما تحقق في رمضان.
إذا أردنا العزة، فلا عزة إلا بالإسلام. وإذا أردنا النصر، فلا نصر إلا بالإسلام. وإذا أردنا الوحدة، فلا وحدة إلا بالإسلام.
يريدون الوحدة العربية. كيف يتحد العرب إذا لم يكن منهجهم الإسلام؟! إذا تركوا الإسلام تفرقوا إلى يمين ويسار، واليمين درجات، واليسار درجات. هناك يمين اليمين، ووسط اليمين، ويسار اليمين. وهناك يسار اليسار، ووسط اليسار، ويمين اليسار. هناك من يتجه إلى موسكو، وهناك من يتجه إلى بكين، وهناك من يتجه إلى لندن، وهناك من يتجه إلى واشنطن، قبلات متعددة، ووجهات متفرعة، سيتفرق الجميع إذا لم يلتقوا على الإسلام.
الإسلام دين الأمة، وهو الذي يوحد الجميع. يوحد قبلتهم، ويوحد مشاعرهم، ويوحد أهدافهم، ويوحد منهاجهم. إن الله تعالى يقول: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله..). قال ابن مسعود رضي الله عنه: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا -أي على الرمل، يرسم لهم بوسائل الإيضاح المتاحة- ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله، وقال: هذه سبل، كل على سبيل منها شيطان يدعو إليه وقرأ: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه..).
الخاتمة
كلمة أريد أن أختم بها. إن دعوتنا إلى الإسلام لا تحمل أي عدوان على أحد، ولا تحمل أي تعصب ضد أحد. حينما ندعو إلى الإسلام، إنما ندعو إلى المثل العليا، إنما ندعو إلى القيم الرفيعة التي جاء بها الأنبياء، ونادت بها كل الرسالات. القيم والمثل التي نادى بها بعد ذلك خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
فلنحرص جميعا على الإسلام، ولنعش بالإسلام، ولنمت على الإسلام، وليكن شعارنا: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل يومنا خيرا من أمسنا، ويجعل غدنا خيرا من يومنا، ويحسن عاقبتنا في الأمور كلها، ويجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم اجعل هذا العيد بشير خير وبركة على المسلمين، ونذير وبال وحسرة على الظلم والظالمين. اللهم أعد أمثاله على أمتنا الكبرى من المحيط إلى المحيط، بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى. (.. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم).
أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم.
(والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
وصيتي إلى الأخوة أن ينصرفوا في هدوء مشكورين مأجورين، ومن جاء من طريق فليرجع من طريق آخر. تهنئة المسلمين بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم. زوروا بعضكم بعضا، وتواصلوا فيما بينكم، فإن الصلة من أهداف الإسلام، ومن مبادئ الإسلام.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ محمود- مشـــــــــــــــــــــــــــــــرف
- عدد الرسائل : 1026
العمر : 40
تاريخ التسجيل : 19/11/2007
رد: عيد الاضحى
بارك الله فيك
وزادك من فضله
وزادك من فضله
mr_4m- عضـــــــــــــــو
- عدد الرسائل : 351
العمر : 42
تاريخ التسجيل : 24/11/2007
مـنـتــدي قــريــة دمـلــــو Damallo :: ثاقافــــــــــــــة دينــــــــــــــــــــــــية :: ثقافة دينية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى