الإعلام المقاوم و الحرب السادسة

لإعلام المقاوم و الحرب السادسة
كشف الصمود الأسطوري للمقاومة الإسلامية عن قدرات و إمكانيات عظيمة للإنسان العربي، يمكن التعويل عليها إذا وجدت من يحسن استغلالها و يترك لها حرية الإنطلاق و العمل.
فبالإضافة إلى البراعة اللامحدودة في استيعاب السلاح المتوفر و استخدامه أمثل استخدام، أظهرت المواجهات مدى البراعة التي يتحلى بها رجال المقاومة الإسلامية و مدى الجهد الذي بذل لتجهيزهم تقنياً و تعبوياً. و بموازاة هذه القدرات العسكرية التي أذهلت العدو و أربكت حساباته فاضطرته إلى تغيير كثير من بديهياته التكتيكية، شاهدنا و نشاهد قدرات عظيمة في مجالات أخرى، و أكثر ما لفت انتباهي و انتباه كثير من المراقبين؛ البراعة الإعلامية الفائقة التي تدير بها المقاومة الإسلامية هذه المعركة الشرسة.
للمرة الأولى نرى جبهة المعركة مفتوحة على مصراعيها من الجانب العربي، يصول بها المراسلون من مختلف الجنسيات، و مقفلة بإحكام من الرقابة العسكرية الإسرائيلية في الجانب الآخر، مما ولد شعوراً بالريبة في كل البيانات التي يصدرها جيش العدو، مقابل مصداقية شبه أكيدة قي بيانات المقاومة الإسلامية، و قد ثبت دون أدنى مجال للشك أن كثيراً من بيانات المقاومة قدرت خسائر العدو في معارك ما، بأقل مما أظهرته الحقائق الميدانية فيما بعد، و قد دفع هذا المراقبين لتصديق بيان المقاومة فيما يتعلق بإصابة البارجة الإسرائيلية الثانية، لثبوت كذب البيانات الإسرائيلية في رواية تدمير البارجة الأولى.
إن بيانات المقاومة متوازنة ليس فيها أدنى مبالغة أو تهويل، تذكر الحقيقة و الحقيقة مجردة دون دغدغة رخيصة للمشاعر الشعبية التي تعودناها في البيانات العسكرية الرسمية العربية على مدى عقود طويلة.
و قد سهل هذه المصداقية ما يحدث عملياً في ميدان المعركة؛ فبما أن رجالك يحققون إنجازاتٍ واقعية ملموسة، فأنت لست بحاجة لأن تكذب و تخترع انتصارات وهمية زائفة.
لم يقتصر النجاح على المستوى الإخباري و على مستوى البيانات العسكرية التي جعلت نسبة كبيرة من الإسرائيليين يثقون بالسيد حسن نصر الله أكثر من ثقتهم بقادتهم، لكنه امتد ليصل إلى أبعاد إعلامية أخرى.
فعلى مستوى الحرب النفسية؛ يعترف إعلام العدو بأن السيد حسن نصر الله خبير في الحرب النفسية، حتى أن الرقابة العسكرية الصهيونية منعت المحطات التلفزيونية الإسرائيلية من نقل خطاباته مباشرة بترجمة فورية، لأن هذه الخطابات حسب رأيهم لها تأثير مدمر في نفسية الجمهور الإسرائيلي، مما دعى هذه المحطات إلى حذف أجزاء من خطاباته، و إلى التصرف بالترجمة الخاطئة المتعمدة لأجزاء أخرى منها. لم يقتصر الأمر على خطابات السيد حسن نصر الله، فأي متابع محايد لتلفزيون المنار، يرى جهداً عظيماً يبذل في مجال الحرب النفسية؛ عبر تترات رائعة مترجمة بالعبرية، هدفها التأثير في نفسية الجنود الصهاينة و المستوطنين، بإظهار المقاتل الصهيوني في أوضاع مزرية، مقابل أوضاع بطولية رائعة لمقاتلي المقاومة الإسلامية.
أما من حيث التوعية السياسية و التعبئة الجماهيرية؛ فإن إعلام المقاومة الإسلامية حقق و لا يزال يحقق إنجازات لا بأس بها؛ فمن نشرات إخبارية لا يقتصر دورها على توصيل الخبر أو المعلومة بمصداقية رفيعة بل و يتم التدخل لتوضيح أبعاد الأحداث و تحليل مجرياتها، إلى برامج سياسية حوارية و ندوات تستضيف خبراء أكفاء بخلفيات سياسية و دينية متعددة، يتاح لهم هامش واسع للإدلاء بآرائهم دون تدخل أو توجيه، و برامج بث مباشر يتاح من خلالها للمواطن العربي على امتداد مساحة الوطن ليعبر عن رأيه بغض النظر عن مستواه الفكري أو خلفيته الثقافية.
حتى الأغاني التي تذاع فألحانها مناسبة و كلماتها بسيطة هادفة بعيدة عن التطبيل و التزمير.
إننا نطمح إلى إعلام يكون بمستوى الدم الزكي الذي سال و يسيل في ساحات الوغى، نطمح إلى صحافة حرة تبشر بمستقبل واعد و نصر مشرف، و صوت صادق يعكس الحقيقة دون مواربة، و صورة وقورة بعيدة عن الإسفاف و الإثارة الرخيصة.